الخميس، 15 مايو 2008

الدعاة وقضايا الأمة


بقلم: وليد شلبي*
إن الداعيةَ إلى الله يقوم بدورٍ من أعظمِ الأدوارِ التي يمكن أن تؤدَّى في الحياة ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً ممَّن دَعَا إِلَى اللهِ﴾ (فصلت: من الآية 33) ولا بد على الداعية أن يؤدِّيَ دورَه على بصيرةٍ ووعيٍ وإدراك بما يدور حوله ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾ (يوسف) فلا ينبغي للداعيةِ أن يَحصر نفسَه في دائرةٍ ضيقة من العبادات والمعاملات ولا يخرجَ عنها ولا يهتمَّ ويعيشَ ويعايشَ قضايا أمتِه بوعيٍ تامٍّ وواضح لكل ما يدور فيها، ومعرفة المرامي الحقيقية لدور كل عنصر من عناصر القضايا الآنية.
ولعلنا في هذه الأيام الحُبالى التي نعيشها وقد ادلهمَّت بالأمة الخطوب، وأحاط بها أعداؤها من داخلها وخارجها، لفي أَمَسِّ الحاجة لدور الدعاة في قيادة الأمة كما قادها أسلافهم، وما دور العز بن عبد السلام منَّا ببعيد في قيادة الأمة وتجييشها للدفاع عن مقدساتها في مرحلةٍ من أصعب مراحلها، حتى إن أحد مؤرِّخي الغرب حين أرَّخ لهذه المرحلة وضع سؤالاً واحدًا: "هل ستقوم لدين محمد قائمة؟!!" وترك الإجابة للتاريخ وبعد مرور قرابة العامين فقط استعاد المسلمون مكانهم- بفضل الله- بعدة عوامل، كان منها دور الدعاة بطبيعة الحال، فعاد المؤرِّخ الغربي غير المسلم يطرح سؤالاً آخر: "هل سيقف أمام دين محمد أحد؟!!"
إن على الدعاة أن يأخذوا دورَهم في قيادة الأمة وتوجيهها الوجهة السليمة نحو مقاومة المحتل، ومشروعية ذلك، وضرب الأمثال من التاريخ والسير، وصياغة رأي إسلامي عام يتبنَّى هذه القضايا، ويتحرك بها، ويضحّي في سبيلها، وأن يتقدموا الصفوفَ في كل المناشط المطلوبة لضرب القدوة الصالحة للأمة، ولا بدَّ لهم أن يبيِّنوا للأمةِ عدتنا ودورنا، كما سنحاول في السطور القادمة بيانه.
عدتنا
1) تعميق الإيمان باللَّهِ والثقةِ بنصرِه للمؤمنين: يقول تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)﴾ (التوبة)، وقـال سبحانه: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: من الآية 47) وقال ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنَّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (الأنفال من الآية:12) وقال ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ (يوسف: من الآية 109) وقال تعالى ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(21)﴾ (المجادلة).
ويقول الشهيد سيد قطب في تفسير هذه الآية: "والمؤمن يتعامل مع وعد الله على أنه الحقيقة الواقعة، فإذا كان الواقع الصغير في جيلٍ محدودٍ أو في رقعةٍ محدودةٍ يخالف تلك الحقيقة، فهذا الواقع هو الباطل الزائل.. فلا يخالج المؤمن شكٌّ في أن وعد الله هو الحقيقة الكائنة التي لا بد أن تظهرَ في الوجود، وأن الذين يُحَادُّونَ الله ورسوله هم الأذلُّون، وأن الله ورسله هم الغالبون، وأن هذا هو الكائن الذي لا بد أن يكون، ولتكن الظواهر غير هذا ما تكون".
فعلى هذه المعاني لا بد أن يربِّيَ الدعاةُ الأمةَ وأن يغرسوا فيها الأملَ بنصرِه سبحانه والثقةَ التامةَ بمعيتِه للمجاهدين المخلصين في سبيله؛ حتى لا تنخرَ في جسد الأمة روحُ الذل والهوان والتراخي والركون إلى حياةِ الدعة والتراخي والتهاون.
يقول الإمام حسن البنا: "إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل قوةً نفسيةً عظيمةً تتمثَّل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يَحُول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ، وإيمان به، وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه، والانحراف عنه، والمساومة عليه، والخديعة بغيره.. على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة التي تبني المبادئ تتربَّى الأمم الناهضة وتتكون الشعوب الفتية وتتجدد الحياة فيمن حُرموا الحياة زمناً طويلاً".
2) حسن الصلة بالله، والإخلاص له، والتمسك بكتابه: فلا بد من رَبْطِ الدعاة للأمة بالمصدر والمنهج والدستور، وألا نبتعدَ عنه، واتخاذ أحكامه سبيلاً للمقاومة وإصلاح النفس في ذات الوقت، فالقرآن هو المصدر والمَعين الذي لا ينضب لإعانة المجاهدين.. يقول الأستاذ مصطفى مشهور- رحمه الله-: "ما أجدر كل أخ مسلم عَقَدَ النية على الجهاد أن يخلوَ إلى كتابِ الله تعالى يقرأه ويقف عند الآيات التي تتصل بالجهاد من قريب أو بعيد، فإن التهيُّؤَ النفسيَّ للجهادِ سيجعله يتذوَّق هذه الآيات تذوقًا جديدًا عميقًا وسيخرج من هذه الآيات بزادٍ كبيرٍ وعِبَر ودروس كاملة يسترشد بها في كل مراحل الجهاد".
3) ثقة قوية في قدراتنا: فنحن كمسلمين أولاً وكملتزمين بدين الله ثانيًا أقوى من كل قُوى الباطل في الأرض بديننا وإيماننا بالله وبعقيدتنا وقرآننا وأخلاقنا وبثقتنا بنصر الله إذا نحن نصرناه حقَّ النصر في ذوات نفوسنا وواقعِ الحياة، يقول الإمام حسن الهضيبي: "مَن انهزم بينه وبين نفسه في ميدان الإصلاح فهو أعجز من أن ينتصرَ على غيره في معركة السلاح"، فنحن نثِق في نصر الله لنا، وإن ارتفع شأنُ الباطل في جولة من الجولات فلا ينبغى أن يدبَّ اليأس والقنوط في روح الدعاة بدايةً ومن ثم في روح الأمة.
4) التمسك بمكارم الأخلاق: فلو أن الأمةَ تحلَّت بمكارمِ الأخلاقِ لَعَلا شأنُها وتحقَّقت فيها أسباب النصر في مواجهة أعتى قوى العالم بلا خوف أو وَجل، ويمكن إجمال هذه الأخلاق في صفات الأخ المسلم التي ذكرها الإمام البنا: "سليم العقيدة، صحيح العبادة، متين الخلق، مثقف الفكر، قوي البنية، قادر على الكسب، منظم في شئونه، حريص على وقته، نافع لغيره، مجاهد لنفسه"، والتمسك بالمعاني الإسلامية النبيلة، مثل: (المسارعة للخير) (القدوة الحسنة) (الشجاعة والتجرد) (الالتزام والانضباط) (سلامة الصدر).
5) الأخذ بأسباب القوة: قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ (الأنفال من الآية 60) والمقصود هو كل أسباب القوة: قوة العقيدة والإيمان، والوحدة والرابطة، والعلم والمال، وكل أسباب القوة.
6) التخلص من كل أسباب الضعف التي تعيق التقدم لمقاومة الأعداء: مثل ضعف الإرادة، كالهم والحزن، وضعف الإنتاج بالعجز والكسل، وضعف القلب بالجبن والبخل، وضعف العزة والكرامة بالدَّين والقهر، فكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".
7) استجلاب نصر الله: يقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكًُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الأنفال: 45)، ويقول: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ﴾ (آل عمران: 146- 148).
ومن هذه الآيات يتضح أن بعض أسباب النصر هي: ذكر الله، عدم الوهن والاستكانة، البعد عن المعاصي، سؤال الله التثبيت ومغفرة الذنوب، فلتعلم الأمة أن معصيتها لله أخطرُ عليها من عدوِّها، فلتتحرَّز منها أكثر من تحرزها من عدوها.
8) التجرد التام لله: فمن ألزم معاني مقاومة العدو وجهاده أن يعلمَ المجاهد أن الله غنيٌّ عنه وعن جهادِه، وأنه هو الفقير إلى الله المحتاج إليه، وأنه إنما يجاهد لله وحدَه راجيًا مثوبته ورضوانه، قال تعالى: ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ* سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ* وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ (محمد: 4،5،6)، ويقول سبحانه ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(6)﴾ (العنكبوت).
الواجب والدور
1- نشر ثقافة مقاومة المحتل وبيان مشروعيتها في جميع الأوساط والدوائر التي يتعامل معها الداعية.
2- توضيح البعد الديني للصراع، وأنه ليس قوميًّا أو وطنيًّا فحسب، ولكنه في المقام الأول صراع ديني وضرورة بيان الأبعاد التاريخية للقضية، وفضح الجرائم والفظائع والمذابح التي ارتكبها الصهاينة عبر تاريخهم.
3- إبراز النماذج المشرقة من المجاهدين والمقاوِمين عبر العصور، وبيان دور التيار الإسلامي في هذا الجانب وتضحيتهم فيه.
4- التأكيد على أهمية التربية الإيمانية، وتربية النفس على الالتزام بالطاعات والعبادات والآداب الإسلامية، وبيان أن الخللَ يأتي من داخلِنا قبل أن يأتيَ من خارجنا.
5- توضيح تنوُّع أشكال الجهاد وتعددها، وأنه لا يقتصر على دور واحد وألا نستصغرَ دورَنا، يقول الأستاذ مأمون الهضيبي عن الجهاد ومعناه الحقيقي: إن حياتَنا من أولِها إلى آخرِها مراحل، كل حلقة فيها تؤهِّل للأخرى، فمنه جهاد النفس، وجهاد تعلم الحق، وجهاد العمل به، وجهاد الصبر على تكاليفه، وجهاد باللسان بالدعوة إلى الله، وجهاد بالمال، وجهاد بالنفس، وهو القتال وهو أعلى درجات الجهاد".
6- إعادة ثقة الأمة بنفسها فرديًّا وجماعيًّا، وبقدرتها على مواجهة شتى أنواع الخطوب والتحديات مهما عظمت.
7- جعل المساجد منارات للعلم والمعرفة، من خلال إقامة دروس ومعارض وحلقات علم واستغلال دور المناسبات والجمعيات والمنتديات، لتُعرَض فيها صور وأفلام لما يحدث في فلسطين ولبنان من مجازر وانتهاكات وتنظيم ندوات جماهيرية للمناقشة حول ما ينبغي عمله والأدوار المتاحة لزيادة وعي الأمة بما يجري.
8- الحديث المستمر عن ضرورة مقاطعة بضائع الأعداء الصهاينة ومَن عاونهم، وأننا نتعبَّد لله سبحانه وتعالى بهذه المقاطعة وعدم استصغار حجم المقاطعة مهما قل.
9- العمل من خلال برنامج عملي وعلمي للحديث عن صفات جيل النصر المنشود ولتتشبع به نفوس الشباب ويقتدوا به، يقول الدكتور يوسف القرضاوي- في وصف جيل النصر المنشود الذي ندعو الله أن نكون منه-: "عزَّ عليهم دينُهم، فهانت في سبيله دنياهم، وغلَت عندهم عقيدتهم، فرخُصَت من أجلها أنفسُهم وأموالُهم، ومن عرف قيمة ما يطلب هان عليه مقدار ما يبذل، ومن يخطب الحَسناءَ لم يغلِها المهر، اشترى الله منهم وباعوا، وتمَّت الصفقةُ بينهم وبين ربهم، فما ندموا ولا استقالوا.. أغلى لهم الثمن من فضله فرضوا، وبذلوا له من ملكه فرضي، وكيف لا وقد اشترى منهم أنفسًا هو خالقها، وأموالاً هو رازقها؟! ثم قال: خذوا ثمنَها جنةً عرضها السماوات والأرض، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾ (التوبة)، كلما رأَوا الجاهلية تشمخ بأنف سلطان، أو تطلّ برأس شيطان، غلت صدورهم غيرةً على حرمات الله، كما يغلي المرجل فوق النار، بل ذابت قلوبُهم حسرةً، كما يذوب المِلح في الماء، فليس شيءٌ أشدَّ على المؤمن من أن يتقهقرَ الحق ليتقدَّمَ الباطل، وأن تختفيَ كلمة الله لتظهرَ كلمة الطاغوت."
فعلى دعاة الأمة أن يتبوءوا مكانتَهم الرائدةَ، وألا يتخلَّوْا عنها، وأن يقودوا الأمةَ في معركتها، وأن يعطوا من أنفسهم القدوةَ والمثلَ والتضحيةَ الواجبةَ تجاه دينِهم ليعذروا إلى ربهم وينالوا رضاه.

ليست هناك تعليقات: