الخميس، 15 مايو 2008

بين تتابع الأعوام وواجب الأجيال



بقلم: وليد شلبي*

في الأيام الأخيرة من كل عام يكون للدعاة أوقات عدة مع الله وعلاقتهم به ومدى طاعتهم له، ومع الناس وكيفية تعاملهم معهم وتأثيرهم فيهم بالعلم والعمل والقدوة الصالحة، ومع النفس ومدى زكاتها وطهرها ونقائها، ومع أهدافهم ومدى ما تحقق منها وما لم يتحقق ومدارسة أسباب عدم التحقق، ووقفة مهمة مع دعوتهم وما قدموا لها وما سيقدمون وما لم يحققوه من أهداف ووسائل ودراسة الأسباب المعيقة ووضع الحلول المناسبة لها.

كما تكون هناك وقفة مماثلة لما يجب عمله واستهدافه في العام الجديد على هذه المحاور وغيرها وسبل تحقيق المستهدفات المحددة وإنزالها على أرض الواقع لينال خيريّ الدنيا والآخرة بإذن الله، وهذا بخلاف الجانب الشخصي والمهني والأسري والاجتماعي؛ أي جميع الجوانب المحيطة به إجمالاً.

وهذا كله بطبيعةِ الحال بغرضِ البحث الجاد والحثيث عن رضا الله وإعلاء راية دينه في الأرض والعمل الجاد لأستاذية العالم وتحقيق الأهداف المُثلى للعمل بشكلٍ عام.

وفي ظل التتابع الرهيب للأعوام وهذا التقارب في الأزمان، يظل الدعاة عمومًا في سباقٍ مع الزمن "الواجبات أكثر من الأوقات" "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها".. ولمواجهة هذا السباق والتغلب عليه، بما يحقق المستهدفات العليا للعمل وإفراغ والإعذار إلى الله، لا بد أن نحرص على استيفاء الجوانب المختلفة السالفة الذكر وما يرى من جوانب أخرى.

غير أن ما أود التركيز عليه ولفت الانتباه له هو أن الزمن يتحرك بلا هوادة ولا توقف، فهو يعمل بصورة مخيفة في قادة الفكر والرأي وفي جيل من خير أجيال العمل الإسلامي.. جيل علم وعمل، وضحى وبذل وأعطى من وقته ونفسه ودمه وماله، كما أعطى القدوة والمثل للأجيال القادمة على طريق الدعوة في كيفية العمل المخلص لله بصبر وتجرد وأخوة صادقة وحب خالص لله.

وإنه ليُحزن كل غيور على الدعوة فقدان أحد هذه الرموز الدعوية التي تُعد عملة نادرة، ولا نزكيها على الله، ولكن يبقى السؤال المهم والخطير في ذات الوقت: هل تمت الاستفادة المُثلى من هذا الجيل على مختلف الجوانب؟ وإذا كان هذا الجيل قد أثرى العمل وربى وبذل وضحى، فماذا عن واجب الأجيال القادمة في تراث هذا الجيل.. فهل تمت علمية تأريخ لهذا الجيل والتسجيل له بصورة جيدة لتستفيد منه الأجيال القادمة.

إن بعض أساتذتنا ودعاتنا يتعفف عند تسجيل تجاربه الدعوية ورعًا وحتى لا يكون هناك أي شبهة رياء أو ما يخدش الإخلاص وكي لا يكون نوعًا من تزكيتهم لأنفسهم. ومع احترامنا الكامل لهذا الطرح وتقديرنا له، إلا أني أعتقد أنه من أهم واجبات الأجيال القادمة على الأجيال السابقة ـ صاحبة السبق والفضل ـ أن تؤرخ لهم.. حفظاً لتاريخ عايشوه وعاصروه بل وصنعوا أحداثه أو شاركوا في صناعتها.

وذلك إجلاءً للحقائق وترسيخًا عمليًا للمفاهيم وردًا عمليًا على الشبهات؛ بحيث لا ينبغي في هذا العصر المعلوماتي الرهيب الاكتفاء بالتوريث العملي فقط دون حفظ هذا التاريخ بصورة جيدة وقابلة للتداول، وهذا يعد الآن من أهم أنواع التوريث بلا شك.

إننا نتمنى على أساتذتنا ودعاتنا أن يسارعوا لتسجيل تاريخهم وتجاربهم وأن يلينوا في يد إخوانهم الشباب وأن يقدموا تجاربهم مسجلة لتتوارثها الأجيال فهذا واجب الدعوة والأفراد الحالين والأجيال القادمة عليهم.

كما أنَّ على الأجيالِ المتتابعة الحرص على أن يتلقوا من هذه الكوكبة النادرة وألا يدخروا وسعًا في إقناعهم بتسجيل تاريخهم الدعوي وعدم الاكتفاء بمعايشتهم فقط؛ وذلك حتى تتم الاستفادة منهم، ومن تجاربهم عبر الأزمان المختلفة.. وعليهم ألا يملوا وألا يسأموا أو يُحرجوا، وعليهم- كلٌ حسب ما بين يديه من دعاة- أن يحفظ حق الأجيال القادمة في هذا الجيل الفريد الذي ندعو الله أن ينفعنا به وينفع الأمة كلها به.

ودعوة ورجاء وأمنية على أساتذتنا ألا يحرمونا ولا يحرموا الأجيال القادمة من هذا الخير، إعذارًا إلى الله واستكمالاً لما بذلوه، والذي ندعو الله أن يجعله في موازين حسناتهم فهذا من الأسباب المعينة على استجلابِ نصر الله وإعلاء رايته سبحانه ونشر الفهم السليم لصحيح الإسلام ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ﴾ (الحج: 40).

ليست هناك تعليقات: